هل قول الملائكة {أتجعل فيها من يفسد فيها} دليل على وجود بشر قبل آدم!

 

قال الله: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }

المعنى في كلمة "خليفة" هو أن الله سيجعل في الأرض مسئول وسيد ومالك ومسيطر وحاكم ومتسلط ومتصرف

فهذا المعنى هو الذي جعل الملائكة تقول: إذن هذا الخليفة (أي المتحكم المسئول المتصرف) سيفسد في الأرض.

لماذا الخليفة سيفسد؟ لأن الله جعل الأرض ووضعها تحت سيطرة وأمر وتصرف وتحكم هذا الخليفة، وأي مخلوق إذا جعل الله الأرض تحت سلطته ويده وتصرفه فالأرجح أن الأرض حينئذ لن تكون في وضع صالح مستقر متوازن إلا إذا تدخل الله لحفظها أو لإصلاح ما فسد

 فكل مخلوق مُعرّض لأن يخطئ أو ينسى أو يضل، فضلاً عن الأهواء والشهوات التي تعصف بالإنسان وغيره من المخلوقات.

 

ولكي نفهم هذا سنضرب بعض الأمثلة الواقعية التي يعرفها كل إنسان عاقل

لنفترض أن مالك شركة بعد أن أنشأها وبناها وأنفق أمواله لتأسيسها وبذل لأجل ذلك عمره وصحته ودم قلبه، قال في أحد الأيام لأهله أو لمحبيه، أنه سيتوقف عن مراقبة شركته بنفسه، وسيجعل فلاناً مسئولاً على الشركة مسئولية كاملة مطلقة، وأنه سيستأمنه ويستخلفه عليها وسيعطيه وكالة كاملة يتصرف بالشركة كما يشاء وكما يحلو له

فمن الطبيعي أن أهل مالك الشركة أو العقلاء من أصدقائه سيقولون له أنك بهذا الفعل قد أضعت شركتك، لأن فلانا لن يخسر شيئاً إذا أهمل الشركة ولعب بها.

وهذا مثل ما قصدته الملائكة، فكأنهم يرجون من الله ألا يجعل في الأرض خليفة يملكها ويتحكم بها ويتصرف بها كيفما يشاء، لأن هذا الخليفة المتحكم المتصرف المتنفذ الذي قلده الله أمر الأرض وملّكه إياها واستأمنه عليها ومكّنه منها لن يخسر شيئاً إذا ضاعت الأرض وفسدت، بسبب إهماله وجهله أو ضلاله وخطأه ونسيانه أو أهوائه وشهواته.

فهذا الخليفة ليس خالق الأرض، وليس أرحم بها ولا أحرص عليها من خالقها ولا أعلم ولا أحكم، فالملائكة كأنهم يقولون لله: الأرض لا تصلح بغيرك، لا تصلح الا بك، لأنك أنت الوحيد الذي خلقتها وصنعتها وأنت المالك الحق لها وأنت الأحكم والأرحم بها، وأما غيرك فليس مثلك، ولذلك لابد من أن يُفسِد المخلوق لو سلمته أرضك ومكنته منها

وأما كل ما عدا بني آدم، فإن الله لم يستخلفهم في الأرض، فالجان الذين خلقهم الله قبل آدم، لم يجعلهم الله خلفاء في الأرض أصلاً، بمعنى أن الجن ليس في استطاعتهم أن يغيروا في الأرض أو يتحكموا بها، لأن الله لم يسلطهم عليها

أما أشباه القرود فهي خرافة، وكل ما خلق الله قبل آدم من أحياء مادية أرضية فهي ليست إلا حيوانات مسخّرة لبني آدم، وقدراتها العقلية متواضعة محدودة كما نعلم.

فلو افترضنا أن الله قال سأخلق مخلوقاً جديداً في الأرض، لما تكلمت الملائكة، ولكن الذي جعلهم يتكلمون هو سماعهم لكلمة (خليفة) أي كأنهم فهموا أن الله قال لهم سأجعل الأرض تحت رحمة مخلوق، أو سأسلم الأرض إلى يد مخلوق.

ففهم الملائكة أن هذا المخلوق الذي منحه الله هذه الصلاحية والسلطة يستطيع أن يفعل بالأرض ما يشاء، فيستطيع أن يغير فيها إصلاحاً أو إفساداً، ولذلك رجّحوا أن الأرض سوف تفسد، ما دامت تحت رحمة مخلوق يستطيع أن يتحكم ويتصرف بها، فهم يرون بالبديهة، أن الأرض لا تصلح إلا إذا كانت فقط تحت تصرف خالقها

وهناك من أجاد في هذه المسألة كصاحب تفسير المنار: وأما الإنسان ... يكون له به السلطان على هذه الكائنات، فيسخرها ويذللها ... يتصرف بمجموعه في الكون تصرفا لا حد له ... وملكه الأرض... حتى غيّر شكل الأرض.

ومثله تفاسير أخرى:

[التفسير القرآني للقرآن للخطيب]

 وسيتولى قيادة هذا الأرض، وفي شئونها يتصرف.. استقلالا فى تصريف الشئون فيما هو خليفة فيه، ومتسلط عليه، ... شأنه في هذا شأن الوكيل

[التحرير والتنوير لابن عاشور]

مثل الوكيل والوصي، أودعه في الإنسان وهو السلطنة على موجودات الأرض، يتصرف في مخلوقات الأرض

 [مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة]

فكان الإنسان هو الخليفة الذي سلم أمر الأرض إليه

 

 وجاءت معان لكلمة خليفة في بعض التفاسير القديمة تشبه ما سبق، فيها ما يتعلق بالحكم والقضاء والأمر والنهي والعمران، وهذا كله يؤدي إلى معنى أن الخليفة هو الذي أعطاه الله (الأمانة) والمسؤولية والسلطان والتحكم والتصرف في الأرض

قال الله: { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ } (62) النمل.

فيستطيع هذا الخليفة في حدود ما شاء الله وما سمح له أن يصلح الأرض أو يفسدها لأن الله مكّنه من ذلك، فالخليفة في الأرض هو الذي حمّله الله أمانة الأرض

قال الله: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } (72) الأحزاب

والإنسان بما قلده الله من سلطة وتحكم يستطيع أن يفسد الأرض، لولا رحمة الله بنا وفضله علينا

قال الله: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ } (251) البقرة

وفي آية { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ } (71) المؤمنون

والله أعلم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بطاقات المتنورين

المسيح الدجال هو الحضارة الغربية والماسونية

الأدلة النقلية والعقلية على ثبوت خروج يأجوج ومأجوج واندكاك الردم